حقوق الملكية الفكرية بين حماية الابتكار وتحرير العقول
سعدت اليوم بالمشاركة في ورشة عمل ثرية حول "سياسات وتعليمات حقوق الملكية الفكرية في صندوق دعم البحث العلمي والابتكار كنموذج لتعزيز الملكية الفكرية وممارساتها في مؤسسات التعليم العالي"، نظمتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ممثلة بصندوق دعم البحث العلمي والابتكار، بالشراكة مع جامعات إقليم الوسط، واحتضنتها الجامعة الأردنية، وبحضور كوكبة من عمداء البحث العلمي ومدراء مراكز الابتكار وأعضاء الهيئة التدريسية والبحثية.
وقد حفّزني حقيقة عنوانها وقبل حضورها على التفكير بصوت عالٍ حول هذا الموضوع الحيوي الذي ما يزال بحاجة إلى مزيد من الوعي والتأصيل المؤسسي في جامعاتنا.
تثير قضية حماية الابتكارات والمنتجات الفكرية في الجامعات عدة تساؤلات جوهرية تستحق التأمل والمصارحة، أبرزها:
1. هل يدرك الباحثون أن لمنتجاتهم الفكرية حقوقًا محمية قانونًا؟
في كثير من الأحيان، يُنظر إلى الإنتاج العلمي على أنه للنشر فقط، دون النظر إلى أبعاده القانونية والاقتصادية كملكية فكرية قابلة للحماية والاستثمار.
2. بينما نطالب بحماية حقوق الباحثين، هل تُعدّ الأفكار من ضمن حقوق الملكية الفكرية؟
وكيف يمكن للباحثين حماية أفكارهم في ظل ضرورة العمل ضمن فرق بحثية متعددة التخصصات، حيث تتطلب طبيعة التعاون مناقشة الأفكار مبكرًا قبل البدء الفعلي في البحث؟ إن الخط الفاصل بين "الفكرة الأولية" و"المنتج القابل للحماية" بحاجة إلى توضيح وتوعية مؤسسية.
3. كيف يمكننا إقناع الباحثين باتباع مسار تسجيل براءات الاختراع بدلًا من النشر المبكر؟
خاصة وأن مسار التسجيل قد يستغرق سنوات وغير مضمون النتائج، في حين أن النشر في المجلات قد يتم خلال شهور، ويضمن تحقيق نقاط أكاديمية وحوافز وترقيات.
4. هل من الممكن أن تضيع حقوق الملكية الفكرية في ظل التطور المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي؟
لا سيما مع انتشار الأدوات التي تقدم إجابات مركبة تم توليدها من ملايين المصادر والبيانات؟ أين تقف الحدود بين ما هو "مُشتق" وما هو "أصيل" في زمن الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
5. هل من الضروري استشارة مراكز الابتكار والريادة قبل النشر وقبل المشاركة في المؤتمرات العلمية؟
خصوصًا عندما نعرض من خلالها مخرجات أبحاثنا، وذلك لضمان الحفاظ على الحقوق الفكرية وعدم تسريب أو استغلال مخرجات قابلة للتسجيل أو الاستثمار.
6. هل قد يؤدي التقيّد بسياسات وإجراءات حماية حقوق الملكية الفكرية إلى الحدّ من نشر المعرفة الإنسانية؟
وهل يُمكن تحقيق توازن حقيقي بين الانفتاح الأكاديمي وحماية الابتكار المحلي، دون أن يعيق أحدهما الآخر؟
7. لماذا يتردد بعض الباحثين في اتخاذ خطوات لحماية حقوق ملكيتهم الفكرية؟
خشية اتهامهم بـ"الاتجار بالفكرة"، ويفضلون بدلًا من ذلك دفع المال للنشر في المجلات مفتوحة الوصول. أليس من المفارقة أن نُحرَج من حماية الفكرة ونُبادر بدفع المال لنشرها دون حماية؟
8. وأخيرًا، هل نحن بحاجة اليوم، في ظل التحديات التي تمر بها منطقتنا العربية، إلى التدريب على حماية حقوق ابتكاراتنا؟
أم أننا بحاجة أولًا إلى تدريب العقول على التفكير الابتكاري، وبناء ثقافة تؤمن بالابتكار وتسعى لحمايته وتطويره؟
في ظل هذه التساؤلات، يبدو أن الطريق نحو بيئة أكاديمية محفزة للابتكار لا يمر فقط عبر اللوائح والسياسات، بل أيضًا عبر إعادة تشكيل ثقافتنا الأكاديمية تجاه الفكرة، وحمايتها، واستثمارها، وتقدير الجهد المبذول فيها.
إن التحدي الحقيقي ليس فقط في ما نبتكره، بل في ما نحافظ عليه، وكيف نحوله إلى قيمة مضافة للجامعة والمجتمع.
حمى الله الأردن
الأستاذ الدكتور فالح السواعير
نائب الرئيس لشؤون التصنيف والاعتماد الدولي