الكتابةُ عن مكانك الأثير أمر في غاية الصعوبة والمحبة، وحين يتعلق الأمر بعقل الدولة الأردنية ومنطلق شبابها علينا ان نقف إجلالاً وتكرمة لكل من مرّ بها ومن تضوع عطر حروفها، ومن شهد وشارك في رفع مداميكها، أما الصعوبة فتتمثل بحشرجة الحروف وهي تخرج من القلب لتقول انت المكان الدافئ الذي يستولي الوجدان والزمان والمكان، والمحبة تقولها لكل واهم يعتقد ان الجامعة الاردنية تتأثر برغبة جاحدة، أو فكرة طائشة، أو رؤية ناقصة، أو خبر عاقر عن صرامتها وحزمها وأكاديميتها ودورها العلمي، هذه مؤسسةٌ ليست وليدة لحظة عابرة، ولا تقبل ان يسند تاريخها وحضورها ومستقبلها للحظة عاثرة، انها انجاز الأجيال لبناء شباب المستقبل، وطريقهم الحضاري الى الحياة؛ ولأنها كذلك تعالوا نقف أمام بواباتها المشرعة لمحبي العلم والمعرفة كي ندرك كيف أصبحت حقيقة ناصعة، نفاخر بها الدنيا، لا تتوقف عن العطاء، ولا تقبل أصوات النشاز؛ إنها الاردنية الوطن وعقل الدولة وفكرها النبيل.
ومناسبة مقالتي كي يعلم القاصي والداني ان موضوع مادة الثقافة الوطنية ومضامينها كان أحد محاور جلسة مجلس العمداء الاسبوع الماضي وتناوله رئيس الجامعة بعمق ومسؤولية ووجه نقدا لاذعاً لمحتواها، وشكل لجنة علمية لإعادة النظر فيه يليق بتاريخ وطننا وثقافته وفكره، و لا يتوقف الأمر عند هذه الزاوية؛ وانما يتجاوز الأمر المألوف فيما يتوقعه الآخرون من الجامعة، ولا أبالغ إذا قلت إن ما تقوم به الجامعة من إعادة الحياة هذه الأيام للبنية التحتية من تحديث للقاعات التدريسية على أفضل المستويات العالمية بحيث تحاكي القاعات افضل ما نراه في الجامعات المتقدمة تُمكّن الطلبة من التعليم والتعلم وفق محاضرات تفاعلية من اي مكان في العالم؛ إضافة إلى تحديث منظومة البحث العلمي وتشجيع الباحثين حيث يتجاوز مجموع ما نشرته الجامعة 30 الف بحث علمي في مختلف المجالات ومنشورة في المجلات العالمية ودور النشر المرموقة، ولا ننسى سياسة الابتعاث والتعيينات في معظم أقسام الجامعة، فضلا عن الارتقاء المستمر في التصنيفات العالمية وتنافسها المعروف ووصولها لأرقام متقدمة، هذه نجاحات لا يمكن لاي جاحد او حاقد ان ينكرها.
وستبقى الاردنية البيت الدافئ ونبض القلب، هي الاردن بتفاصيله كلها، وتعب الأجيال والعلماء على مر الزمان، لا ترضخ لعرض أو طلب، تستجيب لأي حوار وطني يرفع مداميكها وتقف امام التحديات والمحن، وستبقى طودا شامخا امام تحديات الزمن وتغير إيقاعات الحياة، نعيش لحظاتها بمنجزاتها كافة، بحضورها وغيابها، ولا تقبل لأحدٍ ان يزاود عليها مهما تباعدت عقارب الساعة او اقتربت؛ لانها ليست حروفا ندبّجها وندعي فيها حبها، ومن أحبوها؛ أحبوها بصمتهم الجميل، وسمتهم الأنيق، أحبوها كأولادهم دون منِةٍ، وأخلصوا لها حتى غدت في العاليات خافقة على مر الزمن، وغدا زمانها أسطورة على كل لسان، هي الاردنية التي عشقها الأسد ورددها:
قسمتك في مهجتي قسمـــة فأنت أنا، ما لنـــا فاصل
عشقتك مذ أنت غيب خفــي وفي خاطري حلـــم خائل
سهرت الليالي أناجي الدجى وليس سواك هوى شاغل
وهبتك أغلى سني الهـــوى وما لا يجود بـه بــــــاذل
ها هي يا أحبتي الذين انتفضوا بسرعة البرق على أسئلة تعثرت لغتها وإيقاعها تصوب الطريق بحزم وعزم لا يلين، وتتخذ الاجراء السليم، ولا تتوقف عند الصغار، ولا تسمع غير صوت الكبار، ولا تقبل غير البناء والعطاء.
وزمان الأردنية لا يتوقف، وهي مستمرة وقوافل العلماء والابناء. من الخريجين خير شاهد على ذلك، وحين تستعرض اسماء البُناة من الآداب والعلوم والطب والهندسة والزراعة الى الأعمال والحقوق والتربية والرياضة الى جميع كلياتها ومراكزها العلمية، وتتوقف عندهم، أو عند مدعٍ او طامح ممن يبحث عن شهادة ولادة او تقاعد في خريف العمر، أنّه قد وصل إلى حنو الأردنية وحنانها. الجامعة الاردنية؛ الام الحنون والقلب الكبير والحرم العظيم لا تبخل على احد وتبحث عن التميز وهي تقابل الإساءة بالإحسان، ولا تنتظر شهادة حسن سلوك او مقالة مني او من غيري عن دورها وحضورها وأثرها في المشهد العام والخاص.
ومناسبة مقالتي هو الوفاء لجامعتنا الأردنية في زمن التميز والإبداع، وهي مقابسات تفرح وتوجع، تفرح لان هناك أبناء الاردنية الذين ينتشرون في بلاد الدنيا وتركت الاردنية فيهم سنوات من الذكريات لا تمّحي، تفرح جيل الأوائل من الأساتذة الذين يحتفظون بحبهم ورغبتهم الأكيدة ان تستمر الجامعة بنهجها الأكاديمي الصارم كي تحافظ على ارقى المستويات وأعلاها، وهؤلاء يعرفون الاردنية في طعامهم ولباسهم وانتمائهم وحزمهم، يفرحون لكل كلمة جميلة تذكرهم بالاردنية، وبعضهم حين خرج من مكتبه نزفت دموعه ألما وحزنا، لا أنسى هذه المواقف وانا أودع كل عام أحبة في الجامعة من أساتذة الاردنية الذين عرفتهم عن قرب في اثناء عملي ودراستي، هؤلاء ذهبوا وهم يحملون قناديلها بألوانها كلها، لم يكتبوا يوما على صفحات الصحف او المواقع الالكترونية انهم يحبونها؛ لان حبهم امتزج بانفاسهم وأرواحهم وحياتهم، هؤلاء كنت اسمعهم حتى أحسست كيف تعمل الاردنية في حياتهم، اما الوجع فهو ان تسمع بعض اصوات النشاز ممن لا يعرفون في حياتهم غير السواد والشح أقول لهم ستبقى الاردنية عنوان كل مرحلة، ولن ترضخ لأحد؛لانها متجذرة كجبال بلادي ترفع قبابها وراياتها لكل محب، تعطي بلا هوادة،وتعمل بهدوء العلماء النجباء الذين يتنفسونها صباح مساء، وتحية صادقة ومن القلب لرئيسها وعلمائها وأساتذتها ومجالسها ولكل يد مدت الخير لها.