أخبار الأردنية :: الجامعة الاردنية :: عمان :: الأردن أ.د. كمال العلاوين
  • 02 - Dec
  • 2023

نحو نمط جديد للتعليم والتعلم القانوني: التدريب العملي في خطط كليات الحقوق في الجامعات

من المعلوم أن الطلبة يلتحقون في الجامعة في تخصص الحقوق أو القانون دون أن يكون لدى معظمهم معرفة مسبقة عن مجالات العمل في هذا التخصص. ولا شك أن تخصص القانون أو الحقوق كغيره من التخصصات علم له ماهيته ومهاراته ومتطلباته التي يتعين على الطالب ادراكها ليحقق نجاحا واضحا في حياته العملية. وبدون امتلاك المهارات والمعرفة العلمية القانونية المتخصصة لن ينجح الشخص عمليا، وأن نجح على الجانب النظري بحصوله على الشهادة الجامعية مثلا. أن مجالات العمل لدراسة الحقوق متعددة منها: المحامي والقاضي والمستشار القانوني والالتحاق بالدراسات العليا وغيرها من الوظائف. لا بل يصل الامر في مجال اعمال المحاماة مثلا، ان تتطلب بعض القواعد المهنية الاخلاقية في دول معينة، تخصص المحامي في مجال الدعاوى التي يترافع فيها (محامي متخصص في التامين، محامي شركات).

فالسؤال الرئيس، هل محتوى الخطط الدراسية الحالية ومخرجات برامج الحقوق و/أو القانون تكسب الطالب المهارات والمعرفة المتخصصة للقيام والانخراط في مجالات العمل المذكورة وابرزها العمل قاضيا أو محاميا؟

الاجابة التي نسمعها ونلمسها من المعنين وصانعي القرار في الجهات ذات الصلة وحتى من الطلبة أنفسهم بعد تخرجهم، أن هناك فجوة فعلية بين دراسة القانون في الجامعة وعملهم في مجال المحاماة و/او القضاء تحديدا باعتبار هذين المجالين الميدان التطبيقي لدراسة القانون. فالمحاماة والقضاء يقتضيان تحقق معارف نظرية متخصصة ومهارات عملية. فلا يجوز أن تطغى السردية النظرية المطلقة على اكتساب المهارات العملية. ولا تستغرق المهارات العملية الجوانب النظرية التي تصقل شخصية الدارس وتعلمه التأصيل القانوني ومنهجية التفكير القانوني السليم.

لما تقدم، أعتقد أنه لا بد من اعادة دراسة خطط برامج القانون و/أو الحقوق في الجامعات بشكل يستجيب لمتطلبات وضرورات عملية يحتاجها خريج كلية الحقوق الذي يرغب في الالتحاق بمهنة المحاماة أو القضاء بشكل خاص. اذ لا بد من توفير التأهيل والتدريب العملي الضروري لاكتساب مهارات العمل في مجال المحاماة والقضاء. فالمحامي كالطبيب والمهندس يحتاج للتعليم والتعلم وتعزيز المهارات التي يوفرها التدريب العملي في المحاكم ومكاتب المحاماة. فكيف لنا أن نقبل ما نسمعه احيانا طالب كلية حقوق لم يطلع-خلا فترة دراسته- على اجراءات محاكمة فعلية في محكمة أو طالب أخر لم يجلس في مكتب محاماة ويتعرف على كيفية التعامل مع موكل واجراءات التوكيل وما يتصل بتحضير دعوى؟

الية استحداثه؟

اولا: التنسيق بين الجامعات والمجلس القضائي ونقابة المحامين بتوفير فرص التدريب العملي للطلبة خلال سنوات دراستهم. اذ ليس بوسع الجامعات وحدها توفير التدريب العملي الفعلي. ولا بد لها من عقد مذكرات التفاهم مع الجهات المعنية كالمجلس القضائي ووزارة العدل ونقابة المحامين.

ثانيا: اعادة النظر في مواد الخطة الدراسية لكليات الحقوق بحيث يتم طرح مواد جديدة ذات صبغة عملية اكثر منها نظرية بحتة، يتم فيها الدمج بين المحاضرات والتدريب العملي. مثال: بدلا من تدريس مادة بمسمى عقود مسماة تتضمن شرح احكام العقود، يتم تدريس مادة تطبيقات عملية لعقود معينة، يتعلم فيها الطالب كيفية صياغة عقد بيع أو عقد مقاولة وذلك من خلال الدمج بين ما يتلقاه الطالب في محاضرات وما يطبقه في مكتب محاماة. وان يتم تدريس مادة في الاثبات بجوانبها المختلفة من خلال اطلاع الطالب على وسائل الاثبات التي تقدم فعلا في المحكمة واجراءات تقديمها في المحكمة من خلال الحضور والاطلاع على ذلك، وسماع الشهود فعلا في المحكمة بدلا من الاكتفاء بشرح اجراءات سماع الشاهد في محاضرة نظرية لن توفر المهارات المتوقعة. وأن يتم الاستماع في قاعة محكمة فعلية الى كيفية واجراءات اصدار القاضي لحكم جزائي بالاشغال الشاقة أو الحبس بدلا من شرح محاضرة عن اجراءات اصدار حكم جزائي. وفي مادة في القضاء الاداري، يتم تخصيص محاضرات معينة للاحكام العامة وتدريب عملي للطلبة في المحاكم الادارية للاطلاع على واقع عملي لسير اجراءات التقاضي الاداري امام المحاكم. وهكذا.

ثالثا: تخصيص ساعات عملية للتطبيق في مكاتب المحاماة والمحاكم ابتداء من السنة الثانية في الجامعة وحتى سنة التخرج. كل فصل دراسي هناك ساعات عملية للطالب وواجبات عليه انجازها وكتابة تقارير وفق التشريعات والانظمة النافذة. أن التدريب العملي للطلبة في اماكن العمل الفعلية يساهم في اكسابهم مهارات عديدة من بناء الشخصية وتطبيق المعرفة على قضايا عملية والثقة بالنفس والقدرة على التواصل وادارة الحوار وغيرها.

ولا شك أن هذا يتطلب عقد مذكرات تفاهم مع الجهات المعنية كالمجلس القضائي ووزارة العدل ونقابة المحامين لتوفير التدريب العملي لدى المحاكم أو مكاتب محاماة بحضور الطالب عدد ساعات تدريب فعلية والقيام ببعض الواجبات التي تكسبه معرفة في هذا المجال يتم تحديدها وصياغتها من المعنين. لا شك أن كل ما تقدم،يتطلب ان يتم اعادة صياغة الخطط الدراسية لهذه المواد بحيث تتضمن كل مادة محاضرات في الجامعة تخصص لشرح الاحكام العامة لموضوعات كل مادة، وساعات تدريب عملي في المحاكم المختلفة ومكاتب المحاماة التي يتم توقيع مذكرات تفاهم معها لتنفيذ هذا المشروع. ولا بد من ان تحدد الخطط الدراسية الجديدة برنامج تدريب عملي واضح من حيث عدد ساعات التدريب، موضوع التدريب (مثلا: اجراءات تسجيل دعوى، جلسة مناقشة شاهد، جلسة اصدار حكم)، الواجبات المطلوبة من الطالب (مثلا كتابة تقرير بخصوص المسالة المطلوبة مثلا الاجراءات التي تم اتباعها بخصوص مناقشة الشاهد). وغيرها.

هذه بداية المبتدأ.. للحديث بقية.

 

الجامعة الأردنية / عميد كلية الحقوق الأسبق