أخبار الأردنية :: الجامعة الاردنية :: عمان :: الأردن رئيس الجامعة الأردنية معالي الأستاذ الدكتور...
  • 23 - May
  • 2023

كلمة رئيس الجامعة الأردنية في اليوم العلمي لكلية الزراعة


معالي الأستاذ الدكتور كامل العجلوني
عطوفة الدكتور حاتم الزعبي
الأستاذ الدكتور نزار مهيدات
الأستاذ الدكتور عميد كلية الزراعة
أصحابَ المعالي والسّعادةِ والعطوفةِ، 
الحضورُ الكرامُ، 
الطّلبةُ الأعزّاءُ، 

مِن جَدِيدٍ، تجمعُنا كُلِّيَّةُ الزِّراعَةِ فِي يَومِها العِلمِيِّ، تُكَرَّمُ كُلَّ خَرِيجٍ مَرَّ مِن هُنا، كُلَّ خَرِيجٍ عانَقَ وَنَبَشَ تُرابَ هَذِهِ الأَرضِ الجَمِيلَةِ، الأَرضِ الَّتِي زادَ مِن قُدُسِيَّتِها أيدِي أَبنائِنا الَّتِي تَهشَّمَت وَهِيَ تَحرُثُها وَتَلمَلِمُ قَشَّها وَتَجمَعُ حَبَّ زَيتُونِها.

هَذِهِ الأَرضُ الَّتِي أَنبَتَت حَبًّا وَفاكِهَةً وَرُمّانًا، الأرضُ الَّتي دَغَدِغَتْ قُلُوبَ الرِّجالِ الَّذينَ بَذَرُوا وَزَرَعُوا قَمحَها، وانتَظَرُوا غَيمَ السَّماءِ لِيُمطِرَ، مُتَوَكِّلِينَ مُؤمِنِينَ بِرَحمَةِ اللَّهِ ورِضوانِهِ.

نَبَشَ الرِّجالُ ما فِي هَذِهِ الأرضِ مِن خَيرٍ وَجَمالٍ، فَفاضَت كَرمًا وَمَحَبَّةً وَرِضًا وَجَمالًا، مُبادِلَةً إِيّاهُمُ الحُبَّ بِالحُبِّ والخَيرَ بِالخَيرِ، مُثَبِّتَةً أَنَّها مَصدَرُ عَيشِ النّاسِ وَأَساسُ حَياةِ الإِنسانِ وَكُلِّ المَخلُوقاتِ.

شَهِدنا فِي سِنِينَ قَلِيلَةٍ خَلَتْ، سِلسِلَةً مِنَ الأَحداثِ الجَيوسِياسِيَّةِ الَّتِي هَدَّدَت حَياةَ مِلايينَ مِن شَعوبِ العالَمِ؛ حَيثُ أَدَّى اِرتِفاعُ أَسعارِ الطّاقَةِ إلى اِرتِفاعِ تَكلِفَةِ الغَذاءِ، وَلجوءِ النّاسِ إِلَى المُدَّخَراتِ التي كانُوا لِيُنفِقُونَها عَلَى الرِّعايَةِ الصِّحِّيَّةِ أَوِ التَّعلِيمِ أَو غَيرِهِ.

إِنَّها الحَلَقَةُ المُفرغَةُ التي لا تُفقِرُ ضَحاياها المُباشَرِينَ وَحَسبُ، بَل تَتَعَدّاهُم لِتُصِيبَ غَيرَهُم.

لَقَد كانَت تَكلِفَةُ أَزمَةِ الغَذاءِ عَلَى البَشَرِيَّةِ هائِلَةً، حَيثُ دَفَعَت بملايينَ مِنَ الأَسرِ عبرَ العالَمِ إِلَى مُستَوَياتٍ مُروِّعَةٍ مِنَ الفَقرِ والجُوعِ، فامتَدَّت مُعاناةُ النّاسِ لِتَعبُرَ الحُدُودَ، مُعَرِّضَةً اِستِقرارَ العالَمِ لِتَهدِيدٍ غَذائِيٍّ عانَت مِنهُ عَشراتُ الدُّوَلِ، فَجاءَ التَّهدِيدُ لِنَظامِ السَّلَمِ الاِجتِماعِيِّ صارِخًا.

لَعَلَّ بَلَدَنا لَم يَشعُر بِكُلِّ هَذا والحَمدُ للهِ، فقد بَقِيَ أَردُنُّنا العَزِيزُ واحَةَ أَمَنٍ وَسَلامٍ، وَكانَت أَرضُنا أَكثَرَ حَنانًا عَلَينا. وَبَينَما منحَتنا الدَّولَةُ والقِيادَةُ اِستِقرارًا وأمانًا، تَمَكَّنّا مِن تَجَنُّبِ كَثِيرٍ مِنَ الأَضَرارِ المُحتَمَلَةِ، حَتَّى سَلِمنا مِن هَذا التَّهدِيدِ الغَذائِيِّ.

إِنَّنا هُنا اليَومَ، لِنَقُولَ إِنَّ الأَرضَ هِيَ أَساسُ الحَياةِ، وإنَّ الزِّراعَةَ هِيَ سُلَّمُ النَّجاةِ لِنا وَلِلأَجيالِ مِن بَعدِنا.

إِنَّ أَزمَةَ الغَذاءِ التي عاشَها العالَمُ دَعوَةٌ لِلِاِستِيقاظِ، خاصَّةً وَأَنَّ كَوكَبَنا، بَعدَ أَقَلَّ مِن ثَلاثِينَ عامًا، سَيَكُونُ مَوطِنًا لِتِسعَةِ مَلِيارِ إِنسانٍ، أَي ما يُزِيدُ عَنِ اليَومِ بِمَلِيارَيْ شَخصٍ.

وَها نَحنُ نَشهَدُ، فِي الوَقتِ الَّذِي يَنمُو فِيهِ عَدَدُ سُكّانِ العالَمِ، تَغيِيرًا مُناخِيًّا حادًّا وَشُحًّا فِي الأَمطارِ. وَمِن هُنا، سَنَحتاجُ إِلَى زِراعَةٍ قادِرَةٍ عَلَى تَوفِيرِ الطَّعامِ بِنِسبَةٍ تَزِيدُ سَبعِينَ فِي المِئةِ (70٪) عَمّا نَحتاجُهُ اليَومَ.

إِلَى جانِبِ ذَلِكَ، أَصبَحَ الطَّقسُ أَكثَرَ تَطرُفًا وَقَسوَةً، بَل وَأَكثَرَ غُمُوضًا. كَما سَتَنخَفِضُ فِي أَجزاءٍ كَثِيرَةٍ مِنَ العالَمِ إِمداداتُ المِياهِ وَسَتَجفُ الأَرضُ بَينَما يَقِلُّ الغَذاءُ.

ولأنَّ الأمنَ الغَذائِيَّ وَتَغيِيرَ المُناخِ مَترابِطانِ بِعُمقٍ، سَيُصبِحُ غَذاءُ المِلايينِ فِي قارَّةِ آسِيا، إِذا ما ذابَتِ الأَنهارُ الجَلِيدِيَّةُ فِي جبالِ الهيمالايا، مُهدَّدًا، بَينَما سَيُواجِهُ صُغارُ المَزارِعينَ فِي إِفريقِيا، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَنتَجُونَ مُعظَمَ طَعامِ القارَّةِ وَيَعتَمِدُونَ فِي الغالِبِ عَلَى الأمطارِ، انخفاضًا فِي المَحاصيلِ بِنِسبَةٍ عالِيَةٍ.

إِنَّ الجامِعاتِ والعُلَماءَ والخُبراءَ مُطالَبُونَ اليَومَ بِزِراعَةٍ أَكثَرَ قُدرَةٍ على تَوفِيرِ الأَمنِ الغَذائِيِّ لِلفُقَراءِ والضُّعَفاءِ والمَهمُشِينَ مِمَّن سَيَتَلَقَّونَ الضَّربَةَ الغَذائِيَّةَ المُوجِعَةَ.

وَعَلَى الحُكُوماتِ فِي العالَمِ كُلِّهِ مُساعَدَةُ الفُقَراءِ وَتَحمُّلُ تَكاليفِ الطَّعامِ، مِن خَلالِ تَحقيقِ التَّنمِيَةِ الزِّراعِيَّةِ وَوَضعِ نِظامٍ عادِلٍ لِتَوزِيعِ الغَذاءِ بِصُورَةٍ تُعطِي الفُقَراءَ نَصِيبَهُم مِنهُ.

لا بُدَّ أَن نَعمَلَ جَمِيعًا على زِيادَةِ التَّموِيلِ اللّازِمِ لِتَطوِيرِ البَرامِجِ التَّعليمِيَّةِ والتَّدريبِيَّةِ والبَحثِيَّةِ الَّتِي مِن شَأنِها تَطوِيرُ أَنظِمَةٍ زِراعِيَّةٍ وَغَذائِيَّةٍ مُستَدامَةٍ يُمكِنُها تَحمُّلُ الصَّدَماتِ المُحتَمَلَةَ، كالأَزمَةِ الاِقتِصادِيَّةِ والتَّغيِيرِ المُناخِيِّ وانِعكاساتِهِ.

إِنَّ العَنايَةَ بِأَصحابِ الحَيازاتِ الصَّغِيرَةِ هِيَ الضَّمانَةُ الأَقوَى لِتَحقيقِ الأَمنِ الغَذائِيِّ وَقَهرِ الفَقرِ والعُوزِ والجُوعِ.

وَإِنَّ صُغارَ المَزارِعِينَ بِحاجَةٍ إِلَى البُذُورِ الأَكثَرِ إِنتاجًا والأَقَلِّ حاجَةً لِلمَياهِ، وبِحاجَةٍ إلى إِمداداتٍ منَ المِياهِ الآمِنَةِ، وإلى مَساحاتٍ مِنَ الأَرضِ، وَإِلَى النُّصحِ والإِرشادِ.

وَلا بُدَّ أَن تَتَوَفَّرَ التِّكنولوجِيا الحَدِيثَةُ والمُناسِبَةُ لِتَحقِيقِ الإِنتاجِيَّةِ الأعلى التي يَحتاجونَها لِحِمايَةِ أَنفُسِهِم وَأَسرِهِم مِنَ الجُوعِ والفَقرِ.

إِنَّ مَهمَتَنا تَتَمَثَّلُ فِي تَمكِينِ النّاسِ مِن إِطعامِ أَنفُسِهِم لا أَن نُطعِمَهُم بِأَنفُسِنا، كَما يَنبَغِي تَسهِيلُ وُصُولِ صِغارِ المَزارِعينَ إِلَى الأسواقِ لِمَساعَدَتِهِم عَلَى بَيعِ مَحاصِيلِهِم وَحِمايَتِهِم اِجتِماعِيًّا، ما مِن شَأنِهِ أَن يُحقِّقَ العَناصِرَ اللّازِمَةَ لِلأَمنِ الاِجتِماعِيِّ والغَذائِيِّ.

اليَومَ، لَم تَعُدِ الشَّهادَةُ الجامِعِيَّةُ كافِيَةً لِتَضمنَ وَظيفَةً لأبناءِ الطَّبَقاتِ الفَقيرَةِ والمَتَوَسِّطَةِ، والأسوأُ مِن ذَلِكَ، أَنَّ تَكلِفَةَ الحُصُولِ عَلَى تِلكَ الشَّهادَةِ تَرتَفِعُ بِصُورَةٍ أعلى وَأَسرَعَ مِن أَيِّ وَقتٍ مَضَى، كَما يَتَعَرَّضُ المَزارِعُونَ الأَسرِيّونَ لِضُغوطٍ بِسَبَبِ الأَعمالِ التِّجارِيَّةِ الزِّراعِيَّةِ الكَبيرَةِ.

عَلَى كُلِّ خرّيجٍ فِي هَذِهِ الكُلِّيَّةِ أَن يَصنَعَ قِصَّتَهُ الخاصَّةَ بِهِ، وَألّا يَنتَظِرَ دَورَهُ فِي ديوانِ الخِدمَةِ المَدَنِيَّةِ، بَل أَن يَبادِرَ وَيَكتُبَ قَصَّتَهُ الجَمِيلَةَ بِنَفسِهِ.

حَقًّا، لَقَد بِتنا نَعيشُ اليَومَ فِي عالَمٍ مُختَلِفٍ.

اليَومَ، يُمكِنُ لِاِكتِشافِ وَقعَ هُنا فِي قِسمِ الغِذاءِ والتَّغذِيَةِ أن يُنقِذَ شَخصًا مِن مَرَضِ السُّكَرِيِّ مَدَى الحَياةِ، وَيُمكِنُ لِطالِبٍ فِي هَذِهِ الكُلِّيَّةِ يَنشُرُ وَرَقَةً عَلَى الإنترنتِّ حَولَ فَوائِدِ فُولِ الصُّوَيا فِي الوِقايَةِ مِن سَرَطانِ البُرُوستاتا أَن يَجذِبَ اِنتِباهَ باحِثٍ فِي بُوسطن يَعمَلُ فِي مَجالٍ عِلاجِيٍّ، كَما يُمكِنُ لِأُستاذٍ فِي هَذِهِ الكُلِّيَّةِ يَحقِّقُ طَفرَةً فِي تَطوِيرِ المَحاصِيلِ المُقاوِمَةِ لِلجَفافِ أَن يُنقِذَ المِلايينَ مِنَ الجُوعِ فِي كُلِّ أَرجاءِ الدُّنيا.

لَقَد باتَتِ الجامِعَةُ، وَمِن خَلالِ كُلِّيَّةِ الزِّراعَةِ، مُطالَبَةً بِتَعزيزِ القُدرَةِ عَلَى تَحسينِ حَياةِ النّاسِ فِي الأُردُنِّ والمِنطَقَةِ وَفِي جَمِيعِ أَنحاءِ العالَمِ، وَكُلِّيَّةُ الزِّراعَةِ بِدَورِها مُطالَبَةٌ بِإيجادِ أَفكارٍ جَدِيدَةٍ تُؤدِي إِلى وَظائِفَ جَدِيدَةٍ، وَمِيزاتٍ تَنافِسِيَّةٍ لِخَريجينا، لِنساهِمَ بِشَكلٍ فاعِلٍ فِي الظَّفرِ بِالإِنجازِ، والنَّجاحِ فِي رَفعِ مُستَوَى النَّموِ فِي الِاقتِصادِ المَحَلِّيِّ والعالَمِيِّ.

وَلَأَنَّنا نَلتَقِي عَلَى شَرَفِ يَومِ الكُلِّيَّةِ العِلمِيِّ، فَلا بُدَّ مِن التَّأكِيدِ عَلَى أَنَّ قَصَصَ التَّقَدُّمِ فِي هَذا العالَمِ صَنَعَها العُلَماءُ، وَبَناها أُولَئِكَ الَّذينَ يَسأَلُونَ: لماذا، وَماذا لَو، وَلِمَ لا؟؛ تِلكَ الأَسئِلَةُ التِّي يُطرَحُها الطَّلَبَةُ أَنفُسُهُم فِي هَذِهِ الكُلِّيَّةِ، الطَّلَبَةُ الَّذِينَ اختارُوا مُواجَهَةَ تَحَدِّيّاتِ هَذا القَرنِ الجَدِيدِ.

إِنَّ هَذِهِ الشَّخصِيَّةَ الأَساسِيَّةَ الماثِلَةَ فِي رُوحِ الإِبداعِ، وَفِي الرَّغبَةِ العارِمَةِ على المضِيِّ قَدمًا، والنَّظَرِ إِلَى كُلِّ الزَّوايا طَمَعًا بِالوُصُولِ إِلَى ما لا يُمكِنُ الوُصُولُ إِلَيهِ، هِيَ غايَتُنا وَأَمَلُنا الَّذِي نودُّ تَحقِيقَهُ هُنا فِي هَذِهِ الكُلِّيَّةِ وَشَقِيقاتِها.

لا أَستَطِيعُ أَن أَدرِكَ كَيفَ تنظرُ كُلِّيَّةُ الزِّراعَةِ إلى سَنَواتِها الخَمسِينَ المُقبِلَةِ، وَمِنَ الأَفضَلِ أَن نَسأَلَ أَنفُسَنا: ماذا سَيَقُولُ عَنّا المُحتَفلونَ فِي الذِّكرَى المِئَوِيَّةِ لِتَأسِيسِ هَذِهِ الكُلِّيَّةِ؟ هَل سَيَذكُرُونَ أَنَّكُم كُنتُم عَلَى الطَّريقِ الصَّحِيحِ، أَم إِنَّهُم سَيَلومونَ هَذا الجِيلَ؟

عَلَينا أَن نَدرِكَ بِأَنَّنا نَواجِهُ عالَمًا جَدِيدًا وَمُختَلِفًا يَجلِبُ وَعدًا كَبِيرًا وَميلاً لِلتَّغييرِ السَّريعِ.

كَيفَ سَيَكُونُ العِيدُ المِئَةُ لِهَذِهِ الكُلِّيَّةِ؟

آمِلُ أَن يَكُونَ أَفضَلَ وَأَجمَلَ، وَأَن يَحققَ الجِيلُ القادِمُ إِنجازاتٍ أَضخَمَ.

وَلِتَحقِيقِ ذَلِكَ، لا بُدَّ أَن نَعمَلَ وَنَجتَهِدَ وَنَبحَثَ وَنَتَعَلَّمَ، وَلا بُدَّ مِنَ الإِصرارِ عَلَى النَّجاحِ والإِنجازِ، وَلا بُدَّ مِنَ التَّوفيقِ مِنَ العَلِيِّ العَظِيمِ، أَمّا الحَظُّ والصُّدَفُ الجَمِيلَةُ فَهِيَ إِضافَةٌ وَلَيسَت أَساسًا نَنتَظِرُهُ.

شُكرًا لِعميدِ هَذِهِ الكُلِّيَّةِ، وَشُكرًا لِضُيُوفِها والمُتَحَدِّثينَ فِي هَذا اليَومِ، وَشُكرًا لِأَعضاءِ الهَيئَةِ التَّدريسِيَّةِ فِي كُلِّيَّةِ الزِّراعَةِ، وَإِلَى مَزيدٍ مِنَ الإِنجازِ والنَّجاحِ والإِبداعِ.
وليحفظ اللهُ هذا البلدَ، سالماً، آمناً، مستقّلاً بإرادتهِ، في ظلِ القيادةِ الهاشمية. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.