رعى سموّ الأمير الحسن بن طلال، رئيس المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، اليومَ الأربعاءَ، أعمالَ مؤتمر بعنوان: "واقع البحث العلميّ وأثره على الاقتصاد الوطنيّ"، بحضور سموّ الأميرة سميّة بنت الحسن، وعددٍ من الوزراء الحاليّين والسابقين، ورؤساء جامعات، وعمداء كليّات، وأكاديميّين، ومختصّين في القطاعين التعليميّ والصناعيّ.
ويهدف المؤتمرُ، الذي نظّمه المجلسُ الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، إلى عرض نتائجِ دراسة وطنيّة أعدَّها المجلسُ حول واقع البحث العلميّ في الأردنّ ومدى تأثيره على الاقتصاد الوطنيّ.
وفي كلمة له، أكّد سموُّه أنَّ العلمَ هو استثمارٌاستراتيجيٌّ، وليس تكلفةً إضافيّةً، مبيّنًا أنَّ اقتصادَ المعرفة يبدأ بالبحث والابتكار، وأوضح سموُّه أنَّ البحث العلميّ ليس ترفًا، بل يعدُّ محرِّكًا اقتصاديًّا وإنتاجيًّا وطنيًّا، إذ يرتبط الإنفاقُ على البحث والتطوير ارتباطًا مباشرًا بنمو الناتج المحليّ الإجماليّ في الاقتصادات القائمة على المعرفة.
وقال سموُّه: "الدول التي تستثمر في البحث العلميّ لا تكتفي باللحاق بالركب، بل تقوده"، مشيرًا إلى أنَّ العلومَ المبنيّة على الحقائق المطلقة والتحليل المعرفيّ هي جزءٌ أساسيٌّ من الأمن الوطنيّ، لافتًا إلى أهميّة الباحث، الذي يشكّل مركزَ تميّزٍ وثروةٍ وطنيّةٍ يجب الحفاظ عليها من خلال تحويل الباحثين إلى شركاء في صناعة المستقبل.
وأشار سموُّه إلى أنَّ البحث العلميّ والابتكار يحتاجان إلى تمويل وحوكمة مستدامة؛ لبناءِ ثقافة للابتكار والمعرفة من خلال التعبئة الوطنيّة الكاملة للتخصّصات كافّة، والانتقالِ من البحث إلى التطوير عبر التعاون والتشبيك وتبنّي منهجيّات التفكير الشموليّ، مبيّنًا الحاجةَ إلى إيجاد قانون يدعم البحث العلميٌ، من خلال التركيز على المنحِ المباشرة للمؤسّسات العامّة والخاصّة، والجوائزِ الماليّة للابتكارات، خصوصًا لفئة الشباب، والحوافزِ الضريبيّة للشركات التي تستثمر في البحث والتطوير.
واختتم سموُّه حديثَه قائلًا: "لتحقيق تنسيق فعّال بين إنتاج المعرفة واستخدامها في التطبيقات العمليّة أو التجاريّة لا يكفي الاعتمادُ فقط على آليّات السوق، بل يجب الاعتمادُ على تشريعات ملائمة تنظِّم القطاعاتِ المنتجةَ المختلفة، العامّة والخاصّة، وتربطها بالأكاديميّا".
من جانبه، أشار الأمين العامّ للمجلس الدكتور مشهور الرفاعي إلى أنَّ انعقادَ المؤتمر يتزامنُ مع نقل صندوق دعم البحث العلميّ والابتكار إلى المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا؛ ما يعكس الحرصَ على تطوير آليّات عمل الصندوق وتعزيز دور العلوم والتكنولوجيا في خدمة المجتمع، مبيّنًا أنَّ المؤتمرَ يشهد مشاركةً واسعةً من الأكاديميّين، وممثِّلي القطاع الصناعيّ، وصنّاعِ القرار، ولافتًا إلى أنَّ نسبةَ مشاركة الصناعة بلغت نحو 20 بالمئة، في مؤشِّر على تنامي الوعي بأهميّة الشراكة بين البحث العلميّ والقطاع الصناعيّ في مجالات التطوير والابتكار.
وأكّد الرفاعي أنَّ البحث العلميّ يمثّل دعامةً أساسيّةً لأيّة نهضة معرفيّة أو اقتصاديّة، مشدّدًا على أنَّ تطويرَ منظومة البحث العلميّ بات ضرورةً حتميّةً في ظلّ التحدّيات المتسارعة، مشيرًا إلى أنَّ نتائجَ الدراسة تعكس واقعًا يتطلّب تعاونًا وثيقًا بين جميع القطاعات، مؤكّدًا التزام المجلس بتأدية دورٍ محوريٍّ في تعزيز موقع الأردنّ علميًّا واقتصاديًّا.
في حين قال رئيسُ الجامعة الأردنيّة الدكتور نذير عبيدات: "إنَّ هناك جملةً من الأسباب والتحدّيات التي تَحول دون استغلالِ نسبة الـ 5% التي تُخصِّصها الجامعاتُ الأردنيّة من ميزانيّتها لأغراض البحث العلميّ بالشكل الأمثل، وصرفِها سواءً كان لدعم مشروعات بحثيّة تخدم المجتمعَ أو تنفيذ أنشطة بحثيّة، رغم توفّر المبلغُ المخصّص لها".
وأوضح خلال مشاركته في الجلسة الحواريّة الأولى التي أدارها وزيرُ التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلميّ الدكتور عزمي محافظة بعنوان: " دور الجامعات في النهوض بالبحث العلميّ"، أنَّ هناك عددًا من التشريعات، منها " قانون المشتريات العامّة" والذي لا بدَّ من الاعتراف بأنّه يشكّل واحدًا من الأسباب التي تعيق صرفَ النسبة المخصّصة للبحث العلميّ، مشيرًا إلى أنَّه لا يزال هناك ضعفٌ لدى الباحثين في إعداد مشاريع بحثيّة مقنِعة تلقى قَبولًا لدى أعضاء مجلس البحث العلميّ في الجامعة، وهو أيضًا يشكّل سببًا رئيسًا يعيق صرفَ النسبة التي تخصّصها الجامعة.
واعتبر عبيدات، خلال الجلسة التي تحدَّث فيها إلى جانب رؤساء جامعات: العلوم والتكنولوجيا الأردنيّة، والأميرة سميّة للتكنولوجيا، والألمانيّة، والحسين التقنيّة، أنَّنا ما زلنا في جامعاتنا ومؤسّساتنا التعليميًة بعيدين عن البحث العلميّ التطبيقيّ الذي يدفعُ بعجلة النمو الاقتصاديّ، ويسهم في تحقيق الإبداع والابتكار، متسائلًا حول كيفيّة إيجاد بحوث علميّة تخدم مجالَ الاقتصاد الوطنيّ، ومختلفَ المجالات الأخرى، ومنوِّهًا في الوقت ذاته إلى أنَّ البحث العلميّ يمرّ في مرحلة انتقاليّة في المنطقة، تمامًا كما هو التعليم أيضًا يمرّ بذات المرحلة بشكل عامّ في العالم.
وتضمّن المؤتمرُ، بالإضافة إلى الجلسة الثانية التي جاءت بعنوان: "التجسير بين الصناعة والأكاديميّا"، وأدارها مساعدُ الأمين العامّ للمجلس للشؤون العلميّة والتكنولوجيّة، الدكتور رائد عودة، بمشاركة ممثّلين عن شركات الفوسفات والبوتاس، وغرفة صناعة عمّان، وشركة أدوية الحكمة، وبرنامج "صنع في الأردن"، عرضًا لنتائجِ دراسة "تقييم واقع البحث العلميّ وأثره على الاقتصاد الوطنيّ"، قدّمها رئيسُ فريق العمل، الدكتور نبيل الهيلات، هدفت إلى تقييمِ التحدّيات البنيويّة والتنظيميّة والتمويليّة التي تواجه الباحثين، وقياسِ فاعليّة السياسات الحاليّة في ربط البحث العلميّ بالاقتصاد.
واعتمدت الدراسة على استبيان وطنيّ استجاب له 1530 باحثًا من مختلف الجامعات والتخصّصات، إلى جانب تحليل كميّ ونوعيّ للبيانات ومؤشّرات الإنتاجيّة الاقتصاديّة تمّ عرضُ نتائجها خلال المؤتمر.
وفي ختام أعمال المؤتمر، أكّد المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا التزامه بتحويل مخرَجات المؤتمر إلى خطوات عمليّة لتعزيزِ مكانة البحث العلميّ وربطِه بأولويّات التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، لافتًا إلى تشكيل لجان متخصّصة لمتابعة تنفيذ التوصيات، ضمن خطّة واضحة وآليٌة تنسيق تَضمنُ توجيهَ الموارد نحو المشاريع ذات الأثر الملموس.
ويعملُ المجلس على تطوير لوحة إلكترونيّة تفاعليّة لعرض نتائج الدراسة، بما يتيح للباحثين وصنّاعِ القرار تحليلَ البيانات والتفاعل معها بمرونة، كما أعلن عن خطوات مستقبليّة، شملت تشكيلَ مجلس استشاريّ للصندوق، وتطويرَ نظام إلكترونيّ موحّد لإدارة التمويل، وعقدَ مؤتمر وطنيّ حول الفجوة بين الأكاديميّا والصناعة، إلى جانب دعمِ إنشاء مراكزَ ومختبراتٍ بحثيّة وطنيٌة متخصّصة، وتوقيعِ مذكّرات تفاهم لتنفيذ مشاريع بتمويل مشترك.