أخبار الأردنية :: الجامعة الاردنية :: عمان :: الأردن الفجاوي يحقق ديوان امرئ القيس بشرح أبي الحسن...
  • 13 - Mar
  • 2024

الفجاوي يحقق ديوان امرئ القيس بشرح أبي الحسن الطوسي

​أخبار الجامعة (أ ج أ) صدر لأستاذ الأَدَبِ الجَاهِلِيِّ فِي الجَامِعَةِ الأُرْدُنيَّةِ الدُّكْتُورِ عُمَر الفَجَّاوِيّ تحقيق ديوان امرئ القيس بشرح أبي الحَسَنِ الطُّوسِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ بنِ حَاتِمٍ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ عَبْدِ الـمـَلِكِ ابنِ قُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ.

 

وقدم للكتاب رئيس جامعة الملك سعود الأسبق الدكتور أحمد الضبيب قائلا: إن امْرُؤُ القَيْسِ سَيِّدُ شُعَرَاءِ الجَاهِلِيَّةِ ما زال يَشْغَلَ البَاحِثِينَ وَالدَّارِسِينَ الـمـُعَاصِرِينَ، كَمَا شَغَلَ أَفْذَاذَهُمُ السَّابِقِينَ عَلَى مَرِّ العُصُورِ، وَهُوَ، فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ وَعَلَى مَدَى قُرُونٍ، يَخْلِبَ أَلْبَابَ قُرَّائِهِ وَمُتَذَوِّقِي شِعْرِهِ.


     امْرُؤُ القَيْسِ شَاعِرُ العُنْفُوَانِ فِي مَجَالِ الإِبْدَاعِ، بَلْ فِي مَجَالَاتِ حَيَاتِهِ كُلِّهَا كَانَ عُنْفُوَانِيًّا، وَهُوَ يَعِيشُ مُتَمَلْمِلًا تَحْتَ سَيْطَرَةِ الأَبِ الـمـَلِكِ الصَّارِمِ، ثُمَّ مُتَمَرِّدًا عَلَى الانْضِبَاطِ وَالصَّرَامَةِ، مَنْفِيًّا مِنْ أَبِيهِ لِيَعِيشَ حَيَاةً مُتَطَرِّفَةً لَاهِيَةً، وَانْتِهَاءً بِمُغَامَرَتِهِ الأَخِيرَةِ وَالـمـُثِيرَةِ، لِطَلَبِ الثَّأْرِ وَالسَّعْيِ لِرَدِّ الاعْتِبَارِ، الَّتِي أَفْضَتْ بِهِ إِلَى الـمـَوْتِ غَرِيبًا، مَنْبُوذًا، وَمَغْدُورًا بِهِ عَلَى أَسْوَارِ أَنْقِرَةَ.


     وَهَذِهِ الحَيَاةُ العُنْفُوَانِيَّةُ، كَمَا أَسْمَيْتُهَا، صَبَغَتْ شِعْرَهُ أَيْضًا وَطَبْعَتْهُ بِطَابَعٍ عُنْفُوَانِيٍّ مُتَمَرِّدٍ؛ فَخَيَالُهُ فِي وَصْفِ الأَشْيَاءِ، وَصُوَرُهُ البَدِيعَةُ الَّتِي وَقَفَ النُّقَّادُ أَمَامَهَا مَشْدُوهِينَ، لَمْ تَكُنْ سِوَى تَمْثِيلٍ لِتِلْكَ النَّفْسِيَّةِ المـُتَمَرِّدَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، التَّائِقَةِ إِلَى الـمـُدْهِشِ مِنَ الصُّوَرِ وَالتَّشْبِيهَاتِ وَالتَّعَابِيرِ.


     وقَدْ تَمَرَّدَ امْرُؤُ القَيْسِ عَلَى اللُغَةِ أَيْضًا، فَأَخْضَعَهَا لِطُقُوسِهِ، وَلَمْ يَنْقَدْ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ لِمَا سَادَ مِنْ صِيَغٍ وَدَلَالَاتٍ وَقُيُودٍ، فَهُوَ يَصْنَعُ لُغَتَهُ، وَيَضَعُ دَلَالَاتِهَا كَمَا يُرِيدُ، لَا كَمَا يُرِيدُ الآخَرُونَ.


     وَلِهَذَا التَّفَرُّدِ الاسْتِعْمَالِيِّ لِلُّغَةِ نَجِدُ اللُغَوِيِّينَ يَقِفُونَ مِنْهُ مَوَاقِفَ مُتَبَايِنَةً، مِنْهُمْ مِنْ يُخَطِّئُهُ ( وَهُوَ العَرَبِيُّ الفَصِيحُ ) وَمِنْهُمْ مِنْ يَعْتَذِرُ لَهُ، وَمِنْهُمْ مِنْ يُوَجِّهُ أَقْوَالَهُ وَشُذُوذَاتِهِ تَوْجِيهًا لُغَوِيًّا، أَوْ يَسْلُكُهُ فِي مَسَالِكِ الضَّرُورَاتِ، بَلْ إِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ تَجَرَّأَ عَلَى التَّدَخُّلِ فِي صِيَاغَتِهِ، زَعْمًا مِنْهُ عَدَمَ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ الـمـَنْقُولَةِ.


     وَالحَقُّ أَنَّ امْرَأَ القَيْسِ لَمْ يَكُنْ يَعْنِيهِ التَّقَيُّدُ بِالـمـِعْيَارِ اللُغَوِيِّ أَوِ الدَّلَالِيِّ أَوِ العَرُوضِيِّ، بِقَدْرِ مَا كَانَ يَعْنِيهِ أَنْ يُعَبِّرَ عَمَّا فِي دَاخِلِهِ مِنْ شُحُنَاتٍ وُجْدَانِيَّةٍ، وَطَاقَاتٍ تَعْبِيرِيَّةٍ بِطَرِيقَةٍ تَتَعَدَّى الـمـَأْلُوفَ وَتَنْحُو نَحْوَ التَّفَرُّدِ.


     وَلَسْنَا هُنَا فِي مَجَالِ التَّمْثِيلِ أَوِ الاقْتِبَاسِ مِمَّا قَالَهُ، وَمَا قِيلَ عَنْهُ، فَذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي مُؤَلَّفَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَلَكِنَّنَا نَقُولُ: إِنَّ امْرَأَ القَيْسِ كَانَ ظَاهِرَةً شِعْرِيَّةً بَارِزَةً فِي تَارِيخِنَا الأَدَبِيِّ، وَلِذَلِكَ اهْتَمَّ العُلَمَاءُ بِرِوَايَةِ شِعْرِهِ وَتَدَاوُلِهِ وَشَرْحِهِ مُنْذُ فَجْرِ الدِّرَاسَاتِ اللُغَوِيَّةِ وَالنَّقْدِيَّةِ العَرَبِيَّةِ، فَقْدِ احْتَفَلَ بِشِعْرِهِ الرُّوَّادُ مِنْ أَمْثَالِ أَبِي عَمْرو ابنِ العَلَاءِ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَر بنِ الـمـُثَنَّى، وَالأَصْمَعِيِّ، وَالـمـُفَضَّلِ بنِ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيِّ، وَتَلَامِيذِ الـمـَدْرَسَتَيْنِ البَصَرِيَّةِ وَالكُوفِيَّةِ مِنْ أَمْثَالِ أَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ بنِ حَاتِمٍ البَاهِلِيِّ، وَأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ الأَمْرُ بَيْنَ أَيْدِي الجَامِعِينَ الَّذِينَ اسْتَخْلَصُوا جَمِيعَ الرِّوَايَاتِ وَالشُّرُوحِ، وَصَنَعُوا مِنْهَا مَجْمُوعَاتٍ شِعْرِيَّةً تَقْتَصِرُ بَعْضُهَا عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَضُمُّ بَعْضُهَا رِوَايَاتٍ أُخْرَى.


     وَمِمَّنِ اهْتَمَّ بِجَمْعِ رِوَايَاتِ دِيوَانِ امْرِئِ القَيْسِ الإِمَامُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ سِنَانٍ الطُّوسِيُّ، وَهُوَ عَلَى سُمُوِّ قَدْرَهِ فِي العِلْمِ وَالرِّوَايَةِ، وَجُهُودِهِ فِي صُنْعِ بَعْضِ الدَّوَاوِينِ الجَاهِلِيَّةِ،  لَمْ تَذْكُرِ الـمـَصَادِرُ تَارِيخًا لِوَفَاتِهِ. وَعِنْدِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ حَدَّدَ هَذَا التَّارِيخَ بِسَنَةِ 250 ه – حَسْبَ عِلْمِنَا - هُوَ الـمـُسْتَشْرِقُ الأَلْمَانِيُّ وِلْيَمُ بنُ الوَرْدِ البَرُوسِيُّ                ( Ahlward ) وَذَلِكَ فِي مُقَدِّمَتِهِ لِلمَجْمُوعِ الَّذِي نَشَرَهُ فِي لَنْدَن سَنَةَ 1876 م، وَسَمَّاهُ " العِقْد الثَّمِين فِي دَوَاوِينِ الشُّعَرَاءِ السِّتَّةِ الجَاهِلِيِّينَ " وَهَذَا الـمُسْتَشْرِقُ مِنْ كِبَارِ الـمُسْتَشْرِقِينَ الَّذِينَ تَمَيَّزُوا بِالرُّسُوخِ العِلْمِيِّ، وَالاطِّلَاعِ الوَاسِعِ عَلَى التُّرَاثِ العَرَبِيِّ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى هَذَا التَّارِيخِ فِي مَخْطُوطٍ مِنَ الـمَخْطُوطَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَقِيقًا، فَهُوَ تَحْدِيدٌ تَقْرِيبِيٌّ يَتَّفِقُ وَالعَصْرَ الَّذِي عَاشَ فِيهِ الطُّوسِيُّ، فَقَدْ كَانَ مِنْ تَلَامِيذِ الإِمَامِ أَبِي عُبَيْدٍ القَاسِمِ بنِ سَلَّامٍ الهَرَوِيِّ ( ت 224 ه ) كَمَا كَانَ زَمِيلًا لِابْنِ السِّكِّيتِ ( ت نَحْوَ 244 ه ).


     لَقَدِ اهْتَمَّ الطُّوسِيُّ بِجَمْعِ الشِّعْرِ الجَاهِلِيِّ القَدِيمِ وَشَرْحِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الـمُحَقِّقُ الكَرِيمُ جُهُودَهُ فِي ذَلِكَ فَأَحْسَنَ وَأَجَادَ، وَمِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُضَافَ إِلَى بَحْثِهِ القَيِّمَ أَنَّ مِنْ أَعْمَالِ الطُّوسِيِّ الَّتِي وَصَلَتْنَا وَنُشِرَتْ - غَيْرَ دِيوَانِ امْرِئِ القَيْسِ هَذَا - صَنْعَتَهُ وَشَرْحَهُ لِدِيوَانِ لَبِيد بنِ رَبِيعَةَ العَامِرِيِّ، وَقَدِ اسْتَوْعَبَ عَمَلَهُ الدُّكْتُورُ إِحْسَان عَبَّاس عِنْدَ تَحْقِيقِهِ دِيوَانَ لَبِيدٍ.


     لَقَدِ اسْتَفَادَ مِنْ شَرْحِ الطُّوسِيِّ لِدِيوَانِ امْرِئِ القَيْسِ مُعْظَمُ مَنْ نَشَرَ هَذَا الدِّيوَانَ مِنَ الدَّارِسِينَ الـمُحْدَثِينَ، لَكِنَّ الدِّيوَانَ كَامِلًا مُسْتَقِلًّا – بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالشَّرْحِ - لَمْ يَرَ النُّورَ بَعْدُ، وَلِذَلِكَ، نَهَدَ لِتَحْقِيقِهِ الأُسْتَاذُ الدُّكْتُورُ عُمَر عَبْد اللَّه أَحْمَد الفَجَّاوِيّ، أُسْتَاذُ الأَدَبِ الجَاهِلِيِّ فِي الجَامِعَةِ الأُرْدُنيَّةِ، فَأَضَافَ بِذَلِكَ إِلَى مَكْتَبَتِنَا التُّرَاثِيَّةِ الشِّعْرِيَّةِ مَصْدَرًا نَحْنُ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِنَ الـمَعْلُومِ أَنَّ النُّسْخَةَ الأَصْلَ مِنَ الكِتَابِ الـمَخْطُوطِ لَا يُغْنِي عَنْهَا مَا يُنْقَلُ مِنْهَا فِي الـمَصَادِرِ، بَلْ لَا بُدَّ لِلبَاحِثِ الجَادِّ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الأَصْلِ وَاسْتِقَاءِ مَعْلُومَاتِهِ مِنْهُ.


     وَقَدْ أَحْسَنَ الأُسْتَاذُ الجَلِيلُ فِي التَّقْدِيمِ لِهَذَا اَلْعَمَلِ بِمُقَدِّمَةٍ ضَافِيَةٍ تَضَمَّنَتْ دِرَاسَةَ نِسْبَةِ النَّصِّ إِلَى الطُّوسِيِّ، وَحَلَّ إِشْكَالَاتِ صَفْحَةِ العُنْوَانِ، وَتَرْجَمَةً لِلْمُؤَلِّفِ، وَبَذَلَ جُهْدًا مُوَفَّقًا فِي قِرَاءَةِ الـمَخْطُوطِ وَضَبْطِهِ، مُتَحَرِّيًا الصِّحَّةَ فِي ذَلِكَ، كَمَا أَحْسَنَ تَخْرِيجَ الآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ، وَالأَشْعَارِ، وَالنُّصُوصِ الأُخْرَى، وَقَامَ بِشَرْحِ الأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ تَرِدْ فِي شَرْحِ الطُّوسِيِّ.


     وَمِنْ أَهَمِّ مَا تَفَرَّدَ بِهِ الـمُحَقِّقُ الكَرِيمُ فِي عَمَلِهِ أَنَّهُ عِنْدَ تَعْرِيفِهِ لِلْأَمَاكِنِ الـمَذْكُورَةِ فِي النَّصِّ أَوْرَدَ رَأْيَ البُلْدَانِيِّينَ القُدَمَاءِ، وَشَفَعَهُ بِرَأْيِ الـمُحْدَثِينَ مِنَ الـمُؤَلِّفِينَ الـمُعَاصِرِينَ، الَّذِينَ حَدَّدُوا الـمَوَاقِعَ طِبْقًا لِوَاقِعِ الأَمَاكِنِ فِي هَذَا العَصْرِ، وَفِي عَمَلِهِ هَذَا تَقْرِيبٌ لَهَا فِي ذِهْنِ القَارِئِ، بَدَلاً مِنَ الصِّيَغِ الغَامِضَةِ غَيْرِ الدَّقِيقَةِ لِتَعْبِيرَاتِ البُلْدَانِيِّينَ القُدَمَاءِ، كَقَوْلِهِمْ " مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالبَصْرَةِ " أَوْ " عَلَى بُعْدِ كَذَا فَرْسَخ ، أَوْ بَرِيد ، أَوْ لَيْلَةٍ ، أَوْ يَوْم".


     إِنَّ هَذَا الاتِّجَاهَ فِي تَحْدِيدِ الـمَوَاقِعِ تَحْدِيدًا عَصْرِيًّا هُوَ مَا نَحْتَاجُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ، خَاصَّةً بَعْدَ أَنْ نَهَضَ بَعْضُ البَاحِثِينَ الجَادِّينَ مِنْ أَبْنَاءِ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، فَحَدَّدُوا هَذِهِ الـمَوَاقِعِ وَفْقَ الإِحْدَاثِيَّاتِ الـمُعَاصِرَةِ، وَبَيَّنُوا مَا آلَتْ إِلَيْهِ حَالُهَا فِي وَقْتِنَا الحَاضِرِ، وَحَبَّذَا لَوْ نَهْجَ البَاحِثُونَ الـمُحْدَثُونَ فِي تُرَاثِ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ القَدِيمِ نَهْجَ الدُّكْتُورِ عُمَر الفَجَّاوِيّ، فَذَلِكَ هُوَ الاتِّجَاهُ الصَّحِيحُ الَّذِي يَخْدِمُ النَّصَّ وَيُفِيدُ القَارِئَ.


     إِنَّنَا وَنَحْنُ نَسْتَقْبِلُ صُدُورَ رِوَايَةِ الطُّوسِيِّ وَشَرْحِهِ لِدِيوَانِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ فِي ثَوْبٍ قَشِيبٍ، فَإِنَّنَا نَشْعُرُ بِالسَّعَادَةِ الـمُتَكَرِّرَةِ الَّتِي تُخَالِجُ وِجْدَانَنَا كُلَّمَا ظَهَرَ عَمَلٌ جَدِيدٌ يُمِيطُ اللِثَامُ عَنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ تُرَاثِنَا الخَالِدِ، دَاعِينَ اللَّهَ أَنْ يُسَدِّدَ خَطا الأُسْتَاذِ الجَلِيلِ الدُّكْتُورِ عُمَر الفَجَّاوِيّ فِي أَعْمَالِهِ الـمُسْتَقْبَلِيَّةِ كَيْ يُغْنِيَ هَذَا الحَقْلَ بِالجَدِيدِ وَالـمُفِيدِ،

 

وفي تقدمة الدكتور الفجاوي يقول أنه ما زَالَتْ عُلْقَتِي بِالعَصْرِ الجَاهِلِيِّ تَزْدَادُ اسْتِيثَاقًا، وَلَا تَنْفَصِمُ لَهَا عُرْوَةٌ، وَلَا تَبْلَى عَلَى تَعَاقُبِ الـمَلَوَيْنِ وَاخْتِلَافِ الحَدَثَانِ، وَأُلْفِي نَفْسِي كُلَّمَا تَرَجَّلَتِ الضُّحَى أَوْ صَامَ النَّهَارُ وَهَجَّرَ، وَكَأَنَّ رِيحَ الصَّبَا تَحْمِلُنِي إِلَى تِلْكُمُ الدِّيَارِ لِأَشْهَدَ مُلْكَ كِنْدَةَ، وَأَجُوسَ خِلَالَ تُوضِحَ وَالـمِقْرَاةِ، وَأُبْصِرَ الأَثَافِيَّ السُّفْعَ، وَالعِيسُ فِي البَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا، مِنْ حَرِّ الهَجِيرِ، وَقَدْ تَلَفَّعَ بِالقُورِ العَسَاقِيلُ، وَلَفْحُ الصَّحْرَاءِ يَشْوِي بِشُوَاظِهِ الوُجُوهَ، وَيُذِيبُ دِمَاغَ الضَّبِّ، فَإِذَا سَجَى اللَيْلُ وجَنَّ الظَّلَامُ، أَصَابَتْهُ صِنَّبْرَةُ الشِّتَاءِ، وَلَفَّهُ البَرْدُ الصِّنْدِيدُ، وَالقَوْسُ يَكَادُ يَصْطَلِيهَا رَبُّهَا، وَأَثُوبَ بَعْدَ هَذِهِ الرِّحْلَةِ عَلَى نَجِيبَةٍ شِمْلَالِ، عُرْضَتُهَا طَامِسُ الأَعْلَامِ مَجْهُولٌ إِلَى شِرْعَتِي الجَامِعِيَّةِ لِأُزْجِيَ إِلَى سَرَاةِ هَذَا العَصْرِ السَّلَامَ غَيْرَ مُحْتَشِمٍ، مِنْ أُسْتَاذٍ جَامِعِيٍّ آلَى أَلَّا يَرْثِيَ لِنَفْسِهِ مِنْ كَلَالَةٍ، لِيَجْلُوَ أَغْبَاشَ الظُّنُونِ الَّتِي رَانَتْ عَلَى هَذَا العَصْرِ وَأَهْلِهِ، فَرُمُوا بِالفِرَى وَالأَضَالِيلِ، فَتَارَةً يُنْشِئُ بَحْثًا يُفَنِّدُ تُهْمَةً، وَطَوْرًا يُحَقِّقُ، فَيَجْمَعُ شِعْرَ شَاعِرٍ جَاهِلِيٍّ يَبْدُو جَمْعُهُ كَمَنْ يَبْحَثُ عَنْ دُرَّةٍ زَهْرَاءَ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ، إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا، وثَالِثَةً يَنْهَدُ إِلَى تَحْقِيقِ مَخْطُوطٍ اسْتَطَاعَ الحُصُولَ عَلَيْهِ بَعْدَ لَأْيٍ.

     وَلَمَّا كَانَ هَمِّي أَنْ أُحَقِّقَ كُلَّ جَدِيدٍ يُبَيِّضُ وَجْهَ الجَاهِلِيَّةِ وَوُجُوهَ أَهْلِهَا، فَقَدْ بَقِيتُ عَلَى ذُكْرٍ لِمَخْطُوطٍ كَانَ جُزْءًا مِنْ دِرَاسَتِي الَّتِي أَعْدَدْتُ بِهَا رِسَالَتِي لِلدُّكْتُورَاه فِي جَامِعَةِ اليَرْمُوكِ نِهَاءَ القَرْنِ الفَارِطِ، بِإِشْرَافِ شَيْخِي الأُسْتَاذِ الدُّكْتُورِ عَبْدِ القَادِرِ الرَّبَّاعِيِّ -مَتَّعَهُ اللهُ بِجَزِيلِ أَلْطَافِهِ- وَقَدْ نَظَرْتُ فِيَهِ نَظْرَةً تَحْلِيلِيَّةً تَصِفُ مَنْهَجَ الطّوسِيِّ فِيهِ([1]).


     وَيَجْمُلُ أَنْ أَذْكُرَ أَنَّ مُحَمَّد أَبُو الفَضْل إِبْرَاهِيم ثُمَّ أَنْوَر أَبُو سوِيلِم وَمُحَمَّد الشَّوابكة قَدِ اسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى إِخْرَاجِ شِعْرِ امْرِئِ القَيْسِ فِي عَمَلَيْهِمَا النَّفِيسَيْنِ، وَلَكِنَّهُ مَازَالَ يَنْشُدُ مَنْ يَنْهَدُ إِلَى تَحْقِيقِهِ كُلِّهِ، فَهُوَ يَفِيضُ بِالنُّكَتِ الحِسَانِ، إِذْ يُلْفِي فِيهِ النَّاظِرُ مُلْتَفَتًا اسْتِثْنَائِيًّا قَادِمًا مِنْ أَنَّ أَبَا الحَسَنِ الطُّوسِيَّ قَدْ أَثْبَتَ فِيهِ شِعْرَ امْرِئِ القَيْسِ الـمَنْحُولَ، وَأَتَى عَلَيْهِ كُلِّهِ، وَسَيَجِدُ الـمُسْتَبْصِرُ مَا فِي هَذَا الشِّعْرِ مِنْ فَهَاهَةٍ وَغُثُوثَةٍ، يَنْضَافُ إِلَى هَذَا الإِفْصَاحَاتُ التَّارِيخِيَّةُ الَّتِي بَثَّهَا شَرْحَهُ، وَلَا سِيَّمَا مُنَاسَبَاتِ عَدَدٍ مِنَ القَصَائِدِ.


     وَقَدْ مَضَى عَلَى حُصُولِي عَلَى دَرَجَةِ الدُّكْتُورَاه أَربَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَامًا، وَشَرْحُ أَبِي الحَسَنِ الطُّوسِيِّ يَتَخَالَجُنِي بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ، وَأَنَا أُنَاجِي نَفْسِي وَأَمِيرَهَا، أَآتِي تَحْقِيقَهُ أَمْ أُجَاوِزُهُ، وَقَلَّبْتُ أَمْرِي لَا أَرَى لِيَ رَاحَةً، حَتَّى أَفْرُغَ لَهُ، فَطَفِقْتُ أَنْهَضُ بِنَسْخِهِ وَتَحْقِيقِهِ، وَقَدْ امْتَرَسْتُ بِشِعْرِ امْرِئِ القَيْسِ فِي رِسَالَةِ الدُّكْتُورَاه، إِذْ حَقَّقْتُ شَرْحَ النَّحَّاسِ ثُمَّ أَخْرَجَتْهُ وِزَارَةُ الثَّقَافَةِ الأُرْدُنِيَّةُ فِي كِتَابٍ عَامَ اثْنَيْنِ وَأَلْفَيْنِ بِمُنَاسَبَةِ إِعْلَانِ عَمَّانَ عَاصِمَةً لِلثَّقَافَةِ العَرّبِيِّة، فَلَمْ أَجِدْ عُسْرًا كَبِيرًا فِي هَذَا التَّحْقِيقِ.


     وَتَوَكَّأَ عَمَلِي فِي هَذَا التَّحْقِيقِ عَلَى نُسْخَتَيْنِ خَطِّيَّتَيْنِ، أَمَّا الأُولَى فَقَدْ نُسِخَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِمِئَةٍ لِلهِجْرَةِ، وَهِيَ مَجْهُولَةُ اسْمِ النَّاسِخِ، وَجَعَلْتُهَا النُّسْخَةَ الأُمَّ، لِقِدَمِهَا، وَلِدِقَّتِهَا، إِذْ تَكْمُنُ الدِّقَّةُ فِيهَا بِأَنَّهَا مَضْبُوطَةٌ بِالحَرَكَاتِ الإِعْرَابِيَّةِ ضَبْطًا وَافِيًا، يَقْتَرِبُ مِنَ الكَمَالِ، وَلَا سِيَّمَا أَبْيَاتِ الشِّعْرِ، مَعَ وُضُوحِ خَطِّهَا، بَلْهَ مَا جَاءَ مِنَ الكَلِمَاتِ عَسِرَ القِرَاءَةِ.


     وَأَمَّا النُّسْخَةُ الأُخْرِى، فَقَدْ نُسِخَتْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِمِئَةٍ وَأَلْفٍ لِلهِجْرَةِ، بِخَطٍّ جَمِيلٍ نَاصِعٍ، وَقَدْ بَدَا اسْمُ النّاسِخِ فِيهَا وَاضِحًا، إِذْ بَيَّنَ النُّسْخَةَ الَّتِي نَسَخَ عَنْهَا. وَتَنْمَازُ هَذِهِ النُّسْخَةُ بِأَنَّ نَاسِخَهَا قَدْ حَرَصَ عَلَى ضَبْطِ كُلِّ بَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ بِالحَرَكَاتِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شِعْرِ امْرِئِ القَيْسِ وَالأَشْعَارِ الَّتِي تَرِدُ لِلتَّمْثِيلِ، فَقَدْ ضَبَطَهَا كُلَّهَا.


   وَقَدِ اسْتَعَنْتُ بِتَحْقِيقِيَ الأَوَّلِ عَلَى تَعْرِيفِ الأَمَاكِنِ الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي أَشْعَارِ امْرِئِ القَيْسِ؛ لِأَنَّ الأَشْعَارَ الصَّحِيحَةَ تُوجَدُ فِي كِلَا الشَّرْحَيْنِ وَفِي سَائِرِ الشُّرُوحِ الأُخْرَى، إِلَّا الاخْتِلَافَ فِي الرُّوَاةِ أَوْ فِي رِوَايَةِ الأَبْيَاتِ أَوِ الأَلْفَاظِ.